تقدير النعم ومتعتها

0

تقدير النعم، من عدلِ الله سُبحانه وتعالى أنّه أكرمَ مخلوقاته جميعًا بِنَعمٍ عظيمة ليس بالمُكنة إحصاؤها، مهما بذلنا الوُكدَ في ذلك، فالله لم يُميِّز في خلقه بين مؤمن وكافر، ولا بين سيّد وعبد، كُلّنا خلقُه وعبيدُه.

تقدير النعم
تقدير النعم

كيفية تقدير النعم

نحن في شِرعة الله استحققنا نِعَمَه وعطاياه، وبذلك فإنّ من حقّ الخالق على مخلوقه أن يتوجّه إليه بالشكر والتعظيم والتوقير، لا بكُفران النِّعمة وتجاهلها، غير أنّ الباعثَ للعَجَب نكوصُ بعض الأفراد وإعراضُهم عن ما فيه خيرٌ لهم! أليس من حقّ الله علينا أن نستذكر فضلَه علينا؟!.

أليس من الجحود أن نُعرِض ومن ثمّ نلتفت إلى ما عند الآخرين، مُتناسين وعدَ الله جلّ شأنه: (لئِن شَكَرْتُم لأزيدنَّكُم، ولئِن كفرتُم إنّ عذابي لشديد) [سورة إبراهيم، 7]؟! فلا بدَّ من التوجّه إلى خالقنا والمتفضّل علينا بتقدير النِّعَم التي حبانا إيّاها، وسيقف طرحنا هذا عند مفهوم تقدير النعم وكيفيّة استحضاره في حياتنا.

إقرأ أيضًا: هون عليك إن الله معك

طبائع النفوس البشريّة وتقدير النعم

المتأمِّل في النفوس البشريّة يجد أنّ لها طبائعَ مختلفة ومُتفاوتة من فرد إلى آخر وعلى نحو كبير؛ فكثيرًا ما نصادف أفرادًا يتمتّعون بميزات عديدة حُرِمَ منها كثير من البشر، لكنّهم مع ذلك لا يلتفتون إلى ما لديهم، ويظلّون في تتبُّع مُستمرّ لما عند غيرهم، وهو ما يُصيبهم بالإحباط ويُثقلهم بالهموم.

فلا يخرجون من الحياة إلا بالأنكاد وقلّة الإنجازات، على خلاف أهل النفوس الراضية الذين يُحاولون ما استطاعوا تحويل مِحَنِهم إلى مِنَح تزيدهُم إصرارًا وتُعينهم على التقدُّم والنجاح، وما هذا كلّه إلا ترجمة لقوله عليه الصلاة والسلام:

“من رَضِيَ فله الرِّضا، ومن سخط فله السخط” [حديث حسن، رواه الترمذيّ]، ولعلّ الإمام الجليل ابن قيّم الجوزيّة -رحمه الله- قد أوجز هذه المُعادلة في قوله: “بقَدْرِ تركيز العبد على نِعَم الله وتوحيده بقدر ما يظفر بكلّ خير وهُدى ويُقرِّبه الله منه ويُكرمه”، وكذلك فإنّه يستحيل أن يُقابَل الكُفران بالزيادة والفضل، فتلك سُنّة من سُنن الحياة.

إقرأ أيضًا: تعريف حفظ اللسان وأهميته

تقديرُ النِّعَم في مقابل إهدارها

واليوم، وأكثر من أيّ يوم، يقبع الأفراد خلف الشاشة الزرقاء “فيسبوك” ووسائل التواصل الاجتماعيّ المختلفة، يندبون حظّهم، ويُرْثون أنفسَهم، لِمَا يجدونه من إنجازات يرصُفُها غيرُهم على صفحاتِهم، فيظلّون يَرقُبون، ويُراقبون، ويتسخّطون على واقعهم، وهم بذلك في غفلة عميمة.

إذ لا بُدّ أن نعي أنّ ما أنجزه أيّ امرئ على هذه الأرض، يُمكن لأيّ فرد آخر أي يُنجزه إنْ سعى وقدّر ما لديه من مِيزات، أمّا إن جلس مُراقبًا فلن يتحقّق له إلا ما قيل: “من راقَبَ الناس ماتَ همًّا”، ولا مفرّ من هذه الحقيقة المُنصفة تمام الإنصاف.

إن الحياة قصيرة جدًا، فلا بُدّ أن نُركّز كامل اهتمامنا في ما نملكه، وأن نسعى إلى تطويره وتحسينه بكل ما أُوتينا من قوّة وإمكانات، فالأحمق من يقضي حياته مُنشغلًا بما لدى الآخرين، فأيّ مُتعة يُحقّقها في الحياة وأي مكسب يجنيه!.

بل إنّ ديننا الحنيف حثّنا على ترك ما لا يعنينا حتى يكمُل إسلامُنا، وحتى لا نُهدِر أنفُسَنا وطاقاتنا في شيء لا مَنفعة منه، بل مضرّة وخذلان وسوء عاقبة، أما تقديرُ النِّعَم فمُتعة حقيقيّة وسعادة لا يعلمُها إلا من عاشها.

إقرأ أيضًا: الشيطان في العناية المركزة

مُتعَة تقدير النعم

كلّ واحدٍ منّا يتمتّع –بلا شكّ- بنِعَمٍ كثيرة تعمّ حياته، غير أنّ قلّةً من النّاس يعيشون “مُتعةَ تقدير النِّعَم”؛ أي الالتفات إلى النِّعَم والشعور بها ومن ثمّ حمْد الله عليها، فلو أنّ المرءَ عمدَ في نهاية كلّ يوم إلى التفكُّرِ في النِّعم التي تملأ حياته، واستشعر بها حقًّا، لظنّ أنه أسعدُ الخَلْق ولعاشَ المُتعة الحقيقيّة لمعنى تقدير النِّعَم.

لا يهنأُ المرءُ إلا إن عاشَ الحياةَ بتفاصيلها الجميلة، وفكّرَ فيها بعُمْق، دونَ حصْرِ النِّعَم بزوايا مُحدّدة والنظر إلى السعادة بناءً عليها، فلو فكّرنا بنعمة الإبصار وحدَها في مقابل من فقدوها لعرفنا أننا في خير عميم، وللأسف فإنّ تعوُّدَ النِّعَم قد يُنسي المرءَ فضْلها، وقد يُنكر أنها نِعمةٌ ظانًّا نفسَهُ مُستحِقًّا لها، مفتّشًا في ما عند الآخرين، فيكون فقدانها السبيلَ إلى اليقظة من تلك الغفلة المُرَّة.

إقرأ أيضًا: أسئلة شائعة حول الدعم الموحد التكميلي وإجابتها

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية طرحنا هذا حول تقدير النعم ومتعتها، كما تحدثنا عن تقديرها بمقابل إهدارها، بالإضافة إلى طبائع النفوس البشريّة، وللحصول على المزيد من المعلومات الطبية والثقافية والأدبية والدينية يرجى زيارة صفحتنا عبر تطبيق الفيس بوك “من هنا“.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.