خاطرة لا تخبري أحدًا
نبدأ مع خاطرة لا تخبري أحدًا، في أحد فصول البراءة والطفولة، كنت عندما أستيقظ أتأمل الطيور في السماء، وأستمع إلى زقزقة العصافير، فجأة وجدت طفلة صغيرة تشبهني بشكلها، ولابدّ أنها تشبهني بالرّوح أيضًا، وهي كانت تتأمل تفاصيل السماء، إنها طفلة رقيقة وصبّ الله تعالى العسل في عيناها، ووجهها الأبيض وخدها القطني كأنها أوراق الجوري.
جدائلها بنية اللون وطويلة، وأصبحت شقراء حين غفت عليها أشعّة الشّمس، أشعر وكأن بداخلها حزن كبير، وشاحبة نوعًا ما، وشاردة وكأنها تنتظر أحدًا خلف الأفق البعيد، انتابني بعض الفضول، وتسائلت ما الذي يجعل طفلة بعمرها تقف هذه المدّة الطويلة منتظرة على النافذة دون كلل ولا ملل، عجبت لأمرها كثيرًا، وأصبحت أراقب تحركاتها، إنها بائسة وحزينة طوال الوقت.
قابلتها وتعرفنا على بعضنا، وأخبرتني بأن اسمها شَمس، ولها صديقة تحبها اسمها سماء، وأخبرتني بأن سماء هي صديقتها الوحيدة ولا تريد أي صداقات بعدها على الإطلاق، تقبلت كلامها وغادرت المكان، وما ان تنفس الصباح حيث الهواء العليل، وعند الساعة الثامنة صباحًا، تسلل إلى أنفي رائحة عطر رجالي، يا الهي للمرة الأولى رأيتها تبتسم، لماذا يا تُرى؟.
إقرأ أيضًا: الكلمات من نظرة مختلفة
نظرت فوجدت شابًا أسمرًا بالثلاثين من عمره، ليس وسيمًا للغاية بل متوسط الجمال، ومتوسط الطول ولكن ابتسامته جميلة وساحرة، تساءلت هل هو أمر يستحق الابتسامة حقًا بعد هذا الشحوب، رأيته يغمزها في طرف عينيه ويبتسم لها، وملامح وجهه جميلة، ولكن، سألت نفسي من هذا هل هو والدها؟ أو صديق والدها؟ أو أحد الأقارب والمعارف.
من هذا الشاب؟ الذي جعل طفلة بعمرها تنتظره وقت الصباح وعند المساء وفي كل الفصول عند الصيف والشتاء، راودني إحساس غريب هل هو الحب؟ أم أنه مجرد إعجاب متبادل، وما الذي يدور في عقل تلك الفتاة؟ وفي ذات يوم رأيتها تتسلل من منزلها ووضعت رسالة صغيرة في زاوية أحد نوافذ السيارة الحمراء، التي تخص الشاب، انتابني الفضول وذهبت لأعرف السر المكتوب بداخلها، دُهشت مما رأيت فقد كتبت له أحبك.
إقرأ أيضًا: هذربات بين السطور
لا تخبري أحدًا
مرت الأسابيع والأيام والساعات، وكانت تضع له كل يوم رسالة ورقية، وأعتقد إنها رسائل العشق والغرام، ويأتي هو في كل يوم بقمة سعادته ويبتسم لها ويغادر الى عمله، يشهد الله إني فرحت كثيرًا لفرحهم ودعوت لهم، أن يجمع هذا الحب بالحلال، وقررت أن أكون صديقتها، ولكن عن بُعد.
قلبي يخفق بالخوف عليها رغم تقارب أعمارنا الا أنني أشعر كأني أختها الكبرى، وسعادتي في راحتها، لكن سرعان ما قُتلت فرحتي دون أدنى سبب، ومن هول الصدمة رأيته يُهدي ابتسامته وغمزاته لجميع الفتيات، ستكون صدمة كبيرة لتلك الفتاة التي تبني أحلامها الوردية على هذا الشاب المتعجرف المغرور.
إقرأ أيضًا: ما سر هذا القرد
وبعد مرور سنوات طويلة من الحب والهيام، كبرت الصغيرة وأصبحت فتاة جميلة، ولا زالت تحبه رغم أفعاله، ولكن أنا أشعر بالحزن، إحساس ما يراودني بأنه خائن أو أنه يلهو بها ويعبث بمشاعرها، وبدأت بمناسبه فوجدته يعانق هذه، ويقبل تلك، ويحضر الهدايا لتلك ويُهدي الورد للكثيرات، حاولت إخبارها بالحقائق، ولكن لا تريد أن تَسمع أو تصّدق، لا بأس وعدت أجرّ أذيال الخيبة وعند عودتي رأيته، نظرت له نظرة ازدراء واحتقار، وبقيت أراقب ما تبقى من رجولته تحت المجهر.
وفي يوم من الأيام أهداني بطاقة دعوة لزفافه باسمه واسم فتاة تُدعى سماء، تلك التي أخبرتني شمس عنها وقالت بأنها مخبأ الأسرار وملجأها الوحيد، حملت أحزاني وذهبت لأخبرها ما حدث، فكانت المفاجئة رأيت سماء تخرج من بيت شمس، كأنها أفعى تسعى وتنفث سمّها في أرجاء الحيّ و بيدها بطاقات حفل زفافها.
إقرأ أيضًا: لا تحل لي مشكلتي فقط ابك معي
شعرت بالاختناق، ودخلت إلى المنزل باحثة عن “شمس” فوجدت ما لم أتوقع، وجدت “شمس” قد قطعت وريدها ويدها تنزف وباليد الاخرى تمسك السكينة الحادة، ثم همست “شمس” في أذني تمتمات خافتة كأنها تخبرني وصيتها الأخيرة، وقالت: لا تخبري أحداً بأشيائك الجميلة، وكانت هذه نهاية البراءة، ماتت شمس ضحية غدر صديقتها الوحيدة التي أخبرتها عن أشيائها الجميلة، وبهذا نكون وصلنا إلى نهاية خاطرة لا تخبري أحدًا.